أقف أمام شرفة الحجرة
الزجاجية ، والمطر ينهمر عليها ، أنظر إلى المصباح المضاء في نهاية الطريق ، يتحدى
المطر، فقد انطفأت كل المصابيح ماعدا هو ، فهل يدرك هذا المصباح معنى الصمود، هل
يدرك معنى التحدي والإصرار .. أم أن نهايته لم تَحِن بعد .. فحتما لكل شيء نهاية
والطريق حتما لابد أن ينتهي
هذا المصباح لا يصارع الماء
وحده، بل يواجه صدمات القطرات عليه، القطرة تلو الأخرى ، ويواجه تلك الأصوات
المتتالية تُوحِي له بالفشل وتزرع فيه اليأس (لن تستطيع ،لن تصمد) فترتعشُ أنوارُه
المتخافتةُ وتتذبذبُ فتُظهرُ شيئا من الاستسلام ، فانتظرتُ منه أن ينطفئَ ضوؤُه في
أي لحظةٍ ،وبدأتُ أنتظرها وأنا أخاطب نفسي بالمقولة المشهورة "ما فيش
فايدة"
لكن لحظة! .. إنه يقاوم ويزيدُ من صمودِه فالإضاءةُ
تزيد بالمكان ،، وتثبت دون ارتعاش،، هل يدرك المصباح، أن له هدفاً لابد أن يحافظَ
عليه ليُضيءَ للإنسان الطريق؟! .......
اه الانسان.. تذكرت أني لم
أشربْ شيئا من فنجان القهوةِ الذي توقفت أبْخرَتُه عن الصعود فجلستُ أَتناوَلُ
قبلةً منه ،ويختلط طعم القهوة مع لعابي فتعطيني النشوة للحظات.... أه من الانسان..
ذلك اللغز الذي لا يعرف طريقَ حلِّهِ إلا خالقُهُ، ذلك الانسان الذي يرقى ويسمو
فتضعه في مصاف الملائكة أو يتدنى ليكون فصيلة من الفصائل البهيمية... الانسان الذي
يخدمه كل شيء وهو يدمر كل شيء ،انسان مثل تلك المصابيح التي انطفأت حين واجهت بعض
القطرات وإنسان مثل المصباح الصامد المضيء .انسان يفسد ما حوله من جمال، من فضائل،
من مبادئ ،ويعين الظلام على النور، يقبل أن يكون أداة من أدوات الضلال أمام الحق،
يمسك بيده الزناد ليقتل البراءة والأخلاق والأبرياء ,,, لا أستطيع أن أنسى صورة
الأطفال التي يخرجوها من بين الأنقاض أو غرقى على الشواطئ ،، صورة المرأة الحامل
التي بُقِرت بطنها تحت قذائف المرض والجوع والإرهاب ، صوت المرأة الثكلى التي
أعياها النحيب على زوجها وطفلها وأخيها ، صوت المؤذن يخرج باكيا من مآذن ما عادت
ترتفع ..
آه من تلك الالام والصرخات
تأتيني مع صوت المطر الذي ينهمر على الزجاج بشدة وتزيد من الطرق على المصباح.. آه
لا أستطيع تحمل هذا الصراع بداخلي بين الاستسلام والتحدي، بين اليأس والأمل، بين
النور والظلام، لن أقبل أن أكون مثل تلك المصابيح ،لن أجلس، لن أتحمل مذاق القهوة،
وتبادل القبلات مع الفنجان، لن أجلس لأشاهد ذلك المصباح يصارع وحده .. أين وضعت
تلك المظلة؟ نعم مظلة المطر، نعم تذكرت ،انها بجوار الباب وأحتاج أيضا إلى حبل
وبطانية لقد اتخذت القرار السليم سأنزل
بهذه الأشياء لأساعد المصباح لأظلل عليه وأمنع سقوط المطر وأساعده ليسد أذانه عن
أصوات المطر .. رائع أن أنتفض ألا أقف للمشاهدة فقط.. أعتذر لك يا صديقي المصباح لكنك أحدثت بداخلي
هدوءً فاستطعت أن أتخذ القرار فأشكرك وخذ
هذه القبلة بدلا من الفنجان هههههه نعم قرار صائب سليم لقد انتهيت الان من ربط
المظلة ولف عمود المصباح بالبطانية ،أشعر يا صديقي كأنك تبتسم لي وتربت على كتفي
.. يااااه ما أجمل هذا الإحساس الذي ينساب داخل قلبي وصدري ويتمدد بداخل أضلعي وفواصلي
،الشعور بالسعادة التي تغمرني الان ،أريد أن أطير ،أرقص في هذا المطر رقصة
الانتصار .. ها وقد عدت سريعا إلى شرفتي مرة أخرى ولكن بإنسان مختلف وأنا أنظر إلى
المصباح ولا أعرف هل قد زدت من صلابته أم زاد هو من صلابتي حيث كنت إيجابيا معه وساعدته
في تحقيق هدفه ثم جلست لأكمل فنجان القهوة الذي أصبح باردا غير أن مذاقه أجمل
وأروع وأنظر إلى ضوء الفجر يأتي من بعيد ،ليتذوق المصباح معنى الانتصار فقد توقف
المطر وبدأ ضوء النهار ينتشر وينزل الناس إلى الشارع ينظرون إلى المصباح ساخرين من
تلك المظلة على رأسه والبطانية الملفوف بها ولم أملك غير أن أبتسم و أقول آه منك
يا انسان
تعليقات