التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قرأت لكم

الكاتب: فيليس دبليو. يونك
ترجمة: أحمد عثمان البسام - الرياض :

سألت يومًا رئيسي إن كان يتوقع أن مكروهًا سوف يقع، فأجابني: لست بأقل مني قدرة على الحدس والتخمين!
تلك الإجابة جعلتني أرى بجلاء ما لم أكن أُدركه من قبل، ذلك أنني كنت أثقُ بآراء الناس وأحكامهم، في الوقت الذي كان يتوجبُ عليّ فيه أن أثق بآرائي وأحكامي الخاصة!
لقد عرفتُ فيما بعد، أن مثل هذا الاتجاه إلى الثقة بغيري أكثر من ثقتي بنفسي، لم يُضعف شخصيتي سنين عديدة فحسب، بل قادني إلى اتخاذ قرارات خاطئة! فحينما أقتفي أثر ما يقترحه الآخرون، كنت حتمًا أخطو خطوة غير حكيمة، وحينما استرشد بآرائي الصادقة، أجد أن كل شيء يسير على ما يرام!

لقد لاحظت لدى الكثيرين مثل هذا الميل إلى الثقة العمياء بغيرهم أكثر مما يثقون بأنفسهم!
كان لي صديق يبدو عليه هذا الضعف واضحًا، ليس في أقواله فحسب، بل في تصرفاته وأعماله كذلك، فإذا ما تحدث وجدته يردد ما قاله غيره أكثر مما يتحدث بما يوحي به إليه عقله، وعندما يُقدم على أمر تجده يتصرف حسبما أشار به إليه غيره، بدلاً من الاستنارة بعقله ورأيه. وهناك كثيرون على هذه الشاكلة، ممن يعتمدون (بلا مناقشة) على ما يقوله زوج أو ما تقوله زوجة، أو ما يشير به صديق أو مخدوم، أو ما ينصح به طبيب!
ولكن مما لاشك فيه أنه مهما اجتهد هؤلاء في نُصحهم ومشورتهم، فإن الواحد منا أدرى بمصلحته من غيره، فإذا ما قال وعمل بهدي من معتقده وشعوره كانت النتيجة بالنسبة إليه حسنة في أغلب الحالات.
كتب المؤلف: «رالف والدو إمرسن Ralph w.Emurson» يقول: «على المرء أن يرقب ذلك النور الذي يسطع في ذهنه من حين لآخر، أكثر مما يرقب وميض البرق في أفق الشعراء والحكماء. إن عليه ألا يطرح جانبًا دون تروٍ، فكرته، لا لسبب، إلا لكونها تخصه. إننا نتبين من خلال عمل كل عبقري أفكارنا الخاصة التي كنا نبذناها، فإذا ما عادت إلينا مرة أخرى منهم، نظرنا إليها بشيء من الإعجاب والإكبار!».
ويستطرد «إمرسن» قائلاً: «ينبغي لنا أن نعتز برأينا الخاص، لاسيما إذا كان يتعارض مع اعتقاد أي إنسان آخر، وإلا فسيأتي أحدهم غدًا ليُعلن بشعور غامر بالثقة ما كان يجول في خواطرنا مثله زمنًا طويلاً، وحينذاك نكون مجبرين على أن نأخذ آراءنا الخاصة بخجل من الآخرين!».
أما الفيلسوف «جون ستيوارت مل John Stuart Mil» ذائع الصيت، والذي كتب المقدمة الشهيرة عن «الحرية» فهو أيضًا يؤكد أهمية اتباع المرء رأيه المستقل، بل يذهب «مل» إلى مرحلة أبعد حينما يُشدد على ضرورة التعبير عن هذا الرأي، إذ إن في مقدور أي منا أن يُقدم شيئًا نافعًا لهذا العالم الذي نعيش فيه، فإذا لم نُسهم في تقدمه بآرائنا وأفكارنا، أصيب المجتمع بخسارة جسيمة.
قد تقول إن رأيك قليل الأهمية مقارنة بآراء أولئك الذين يفوقونك ذكاءً ومعرفة، يُجيبك «مِل» بقوله: «إن من يعتبر نفسه، أو يعتبره الآخرون أقل إمكانية للمساهمة بنصيب ذي قيمة قد يُبرهن في النهاية على أنه الشخص الذي بمقدوره أن يتقدم بالكثير».
وهذا ما حدث لـ«غاليليو»، فقد اعتقد الجميع أنه كان مخطئًا تمامًا عندما أعلن أن الكون يدور حول الشمس، وقد ثبت الآن أن ما ذهب إليه هو الوحيد الذي صار ذا قيمة!
وهكذا، فمتى ما أحسست بالخشية من المجاهرة برأيك الخاص تذكر هذا، وثق بأنك ترتكب ظلمًا جسيمًا لك وللآخرين عندما تظل ساكتًا.
فكر أيضًا فيما قاله الدكتور «صاموئيل جونسون . Jahnson»: «لكل إنسان الحق في أن يقول ما يعتقد أنه الصواب، ومن حق أي شخص أن يُلقيه أرضًا بسببه!».
إن من غير المحتمل أبدًا أن يُلقيك أحد أرضًا بسبب ما تقول، ولكن النقطة المهمة في عبارة الدكتور «جونسون»، هي أن من حقك أن تُعبر عن رأيك، كما أن من حق أي إنسان آخر أن يختلف معك فيه. وهكذا فعندما تُعبر عما تعتقد فلن تتجاوز حقًا من حقوقك، وليس هنالك ما تخشاه. وحالما تثق بنفسك، وتُعبر عما يبدو لك أنه الصواب، ستجد أن الآخرين يكُنون لك أعظم التقدير بدلاً من رغبتهم في إلقائك أرضًا!
إن السبيل إلى اكتسابك الثقة بنفسك والإيمان برأيك هو ألا تحاول أن تُفكر وتتكلم وتتصرف لكي تُرضي هذا أو ذاك أو ذلك، فبدلاً من التفكير في إرضاء الناس، ينبغي أن تُرضي مبادئك. فإن أنت عملت بهذا فسوف تجد أن ثقة الآخرين بك قد قويت وعمقت، لأنهم صاروا يُحسون بثقتك وإيمانك بما تقول. وعندما تستطيع أن تثق برأيك، يتسنى لك أن تبدأ بتنمية قواك النقادة الفاحصة. مثال ذلك: إذا قرأت كتابًا فلا تُسلّم بصحة كل ما يقوله المؤلف، بل انظر إليه من خلال فكرك الثاقب. قُل لنفسك: «كيف يُمكنني أن آتي بأحسن من هذا؟» فإذا حاولت إيجاد الجواب الصادق على هذا السؤال فسوف تعجب للآراء المدهشة المفيدة التي ستخطر على بالك.
يقول البروفيسور «آرثر دبليو كورنهاوزر Prof. Arthur W. Cornhauser»: في كُتيبه الموسوم «كيف ندرس؟»: «فكر بطريقة نقادة فاحصة عندما تقرأ.. سجل انطباعاتك الشخصية.. اقرأ ما بين السطور، فمن الخطأ الاعتقاد بأن كل شيء صحيح لمجرد كونه مذكورًا في كتاب». ومن خلال إمعانك النظر فيما تقرأ، سل نفسك أسئلة كهذه: «هل أن الكاتب يسرد الحقائق بدقة؟ هل هو يُفرق بين الحقائق والآراء؟ هل أن آراءه تنطبق تمامًا على مبادئه؟ هل تتفق أفكاره مع آرائك الذاتية؟» فمن إجابتك على هذه الأسئلة، يمكنك أن تعرف جيدًا وجهة نظرك، سواء جاءت متفقة مع وجهة نظر المؤلف أم لا.
لذا فعندما تقرأ ما كتبه شخص ما، اصغ لما سوف يقوله الآخرون، ولاحظ كيف يتصرفون نحوه، ولكن احتفظ دائمًا بعقلك في حالة متيقظة فاحصة، فذلك خيرُ من التقليد. لا تدع آراء الآخرين تطمس آراءك الخاصة بك، بل استعن بها في تقوية مواهبك وتنميتها ليكون أفق تفكيرك أرحب، ومعلوماتك أغزر مما كانت عليه من قبل! يقول: «إمرسن»: «أعط نفسك أهميتها.. لا تُقلد.. إن أثمن هدية تستطيع تقديمها في كل لحظة هي إسهامك في إصلاح وتحسين التراث المتراكم لهذه الحياة، أما أن تكون موهبتك على حساب الآخرين بترديدك ما يقولون، فهي موهبة مبتورة ومُرتجلة».
في الكلمات الثلاث المذكورة آنفًا: «أعط نفسك أهميتها» يتضح الطريق لا من أجل أن تكون نسيجًا وحدك فحسب، بل لتصبح في عداد العظماء والنابغين!
إن هذا السبيل مفتوح أمامك، كما كان مفتوحًا أمام أولئك الرجال أمثال: «شكسبير، نيوتن، ملتون..» وآخرين غيرهم. فَلِم لا تسير عليه، وتكتشف الثمار اليانعة التي سينتهي بك إليها؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنماط الادارة المدرسية وصفات القائد والمدير الناجح

أنماط الإدارة المدرسية يختلف مديرو المدارس في إداراتهم فهم لا يسيرون على نمط واحد وأسلوب مماثل ويعود ذلك للفروق الفردية واختلاف مفهوم تلك الأنماط من مدير لآخر وكم نحن في أمس الحاجة إلى فهم عميق وتبصر وإدراك لأسس هذه الأنماط وألوانها السلوكية لمواجهة المواقف التربوية وتحقيق أهداف العملية التعليمية والتربوية ونحن في هذه العجالة سوف نلقي الضوء على أهم الأسس التي تقوم عليها تلك الأنماط تاركين التوسع في الألوان السلوكية لبحثنا القادم وثيق الصلة بهذا الجانب ومن تلك الأنماط . 1- النمط الأوتوقراطي{التسلطي} {الاستبدادي} ويقوم على الأسس التالية: تدرج السلطة من أعلى إلى أسفل دون إبداء الرأي. لا يحترم شخصيات التلاميذ والمدرسين ويستخدمون كوسائل لبلوغ غايات. يضع في ذهنه صورة عن مدرسته لا يحيد عنها ويظهر الود لمن يتفق وسلوكه والجفوة وعدم الرضا لمن يخالفه. الإدارة المدرسية في نظره إصدار قرارات وتعليمات. يهتم بتلقين التلاميذ المواد الدراسية ويهمل مجالات الأنشطة التربوية. يعتقد مدير المدرسة أن من واجبة تقرير مايجب أن يعمل في المدرسة. قبوله للنقد والتوجيه على مضض واجتماع...

دوائر التعلم

لقد حضرت أمس واول أمس ورشة عمل حول تكوين دوائر تعلم بين المعلمين والهدف منه إنشاء مثل هذه الدوائر نقل الخبرات بين المعلمين سواء مدرسي المادة الواحدة أو بين معلمي المدرسة أو المدارس المجاورة بصفة عامة ومن ثم يؤدي ذلك إلى تفعيل عملية التدريس والتعليم والتعلم بين الطلاب وإيجاد تنمية مهنية حقيقية بين المعلمين حتى يستفيد الطالب من ذلك حيث أنه يعد المستفيد والشريك الأساسي وقدأدهشني هذا المصطلح ( دوائر التعلم ) حيث أسمعه لأول مرة فبحثت كعادتي حول هذه التعريف لتعدد المصادر لدي فوجدت أن مصطلح دوائر التعلم المقصود بها في الأساس هو الطالب وليس المعلم ولكن القائمين على التدريب وظفوا المفهوم للمعلمين لزيادة فاعلية المعلم وقرأت لكم هذا البحث المقدم لتعريف دوائر التعلم: تعد دورة التعلم إحدى النماذج التي انبثقت من النظرية البنائية؛ وهي تستند في تدريس المفاهيم إلى نظرية بياجيه في النمو المعرفي، لاسيما في التوظيف العقلي للمعرفة في مجال التدريس، ويرى أصحاب هذا النموذج أن هناك معيارين لتدريس المفاهيم وفهمها يتعلق أولّهما بالبناء المفاهيمي للمتعلم نفسه، ويتعلق ثانيهما بالاستخدام الاجتماعي المناسب لتطب...

الأمن والسلامة المدرسية -صيانة المبنىالمدرسي -سجلات شئون الطلبة.-

الأمن والسلامة المدرسية العنصر : الإجراءات العامة الخطوات الإجرائية لتحقيق العنصر الإجراءات العامة: 1. تذكر أن الوقاية خير من العلاج. 2. أسرع في إطفاء النيران فور اندلاعها . 3. اختر وسيلة الإطفاء الملائمة، فالخشب والورق والملابس تختلف عن الزيوت والشحوم والبويات، وهما يختلفان عن الأجهزة والمعدات الكهربائية. 4. اكشف باستمرار على مواطن الخطر واتخذ وسائل الوقاية اللازمة. 5. تعرف على مصادر الحوادث والأخطار. 6. قف في مكان بين موقع النار وطريق الخروج حتى يمكن الانسحاب من المكان في حالة العجز عن الاستمرار في مكافحة الحريق. 7. لا تخاطر بإضافة مادة كيميائية على أخرى إلا إذا كنت تعرف تمام المعرفة تفاعلات المواد المضافة بعضها على بعض حتى لا يحدث انفجار أو اشتعال أو إطلاق أبخرة سامة. 8. اخبر الآخرين عن مدى سمية المواد الكيميائية المستعملة في المختبرات. 9. خزن المواد الكيميائية السامة والخطرة في أماكن معينة بعيداً عن متناول الأشخاص الذين ليس لديهم خبرة كافية بمدى خطورة هذه المواد. 10. وفر على عبوات المواد الكيميائية التعليمات الضرورية اللازمة لاستعمالها ، ووضح مدى خطورتها ، فمثلاً يكتب على عبوة معدن...