التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التربية رأس مال مصير الانسانية



التربية رأس مال مصير الانسانية

علاقة المدرسة بالمجتمع

بقلم: عبدالله العبادي*

يرى جورج جورفيتش أن سوسيولوجيا القرن التاسع عشر، إذا كانت، ربما تتميز بأحادية البعد فإن سوسيولوجيا القرن العشرين وقبل كل شيء متعددة الأبعاد، إنها سوسيولوجيا ، العمق1.

وليس صدفة أن تتعدد ميادين السوسيولوجيا، لتعدد الظواهر الإجتماعية وتعقد المشاكل المعاصرة، التي صاحبت التطور الحضاري والصناعي للمجتمع البشري، وأضحت السوسيولوجيا علما متعدد الإختصاصات ومن بين هذه الاختصاصات تحتل سوسيولوجيا التربية مكانا مهما لدورها الكبير في اعداد مستقبل المجتمعات الإنسانية. قال البروفيسور جون فوراستيي سنة 1958: "بلد غير متقدم يعني بلد غير متعلم" . معلنا بذلك الرباط القوي بين التربية والتقدم الحضاري، ويضيف أن البحث في التربية هو رأس مال مصير الإنسانية، والاطفال الذين يعتبرون حاليا الساكنة التعليمية يتم تحضيرهم لأعمال المستقبل من خلال التربية إلا أن أهميتها الاقتصادية تظهر للبعض الآن كميدان غير مربح، وتقدم التعليم لايتوقف فقط على العوامل الديمغرافية، بل أيضا الظروف الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية والتي تعتبر فعلا موضوع تحليل سوسيولوجيا التربية.

من هذا المنطلق أصبح ضروريا الاحتفاظ لسوسيولوجيا التربية بدراسة مختصة ومحددة كسوسيولوجيا الاقتصاد، السياسة والدين وغيرها... وقد عرف بعض الأمريكيين هذا الميدان بكونه يبحث في تحديد طبيعة المجال الإجتماعي والسيكولوجي المكون من طرف المدرسة وقياس مدى تأثير هدا المجال على التلاميذ في كل مراحل تكوينهم: التحصيل المعرفي، تحسين السلوك أو تحضيرهم قيميا، وتقوم أيضا بدراسة منظمة للعوامل المؤثرة خارجيا على المدرسة نفسها، آخدة منابعها سواء من خلال متطلبات مختلف المهن أو المتطلبات الحالية للمجتمع2 .

كما أن هذه التربية المأمولة والتي تهدف إلى تعليم الطفل كيفية العيش والحياة والاندماج في المجتمع أكثر من تعليمه كيفية العمل الملقن داخل المدرسة ، تظهر الآن، غير قادرة على أداء هذا الدور المنوط بها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المضمون الثقافي والاجتماعي الذي من خلاله يمكن أن يكون البناء فعالا، وكل بحث علمي يجب أن يحدد موضوعه بدقة، رغم أن الخطاب العلمي المعاصر لم يعد أكثر صرامة حين يتعلق الأمر بالقطيعة الإبستمولوجية بين الفعل والمعرفة، وسوسيولوجيا التربية هو الميدان الأكثر ملائمة لدراسة ما نحن بصدده، وهي تتضمن مستويين :

الأول : تحلل وظيفة المدرسة في اطار المجتمع والعلاقات التي توجد بين المدرسة والمجتمع.

الثاني : تحلل المؤسسة التعليمية بصفتها مجتمعا مصغرا، وتحاول إيجاد روابط العلاقات بين هذا المجتمع المصغر والمجتمع الكلي إنطلاقا من مشاكل مجسدة في المؤسسة المدرسية.

وسوسيولوجيا التربية بصفة عامة تهدف إلى البحث في العلاقة بين النظام الخاص للتربية والمجتمع الكلي الذي تنتمي إليه، بكل جوانبه التنظيمية، التاريخية والايديولوجية.... وتسليط الضوء على تأثير هذا النظام على السيرورة التكوينية للجماعات والأفراد، في إكتساب المعرفة التي تؤثر سلبا أو إيجابا في الحراك الاجتماعي أو اللامساواة الاجتماعية، وتندرج في هذا الإطار دراسات كبار سوسيولوجيي التربية المعاصرين بورديو و باسرون اللذين يريان في المدرسة آلة لإعادة انتاج المجتمع الطبقي وتلعب دورا في المحافظة على البنية الاجتماعية القائمة.

إن السوسيولوجي عليه أن يتذكر أن مجاله هو دراسة مقارنة ووراثية للواقعة الاجتماعية كما يرى كاستون ريتشارد. ويقوي ذلك بالمقارنة بين الافكار البيداغوجية للانظمة التربوية السائدة، وكذا اكتشاف قوى عميقة للتطور الاجتماعي في ميدان التربية، كما لايجب انكار التأثير المتبادل بين البنية الاقتصادية والاجتماعية والنظام التعليمي والأفكار الثقافية السائدة في المجتمع، وكل خلل في البنية الاجتماعية يعلن بشكل مباشر عدم كفاية الانظمة التربوية، واخطاء التوجيه الدراسي ونقص التكوين.

وسوسيولوجيا التربية تبعا لذلك تحاول إيجاد الحلول أو على الأقل جعل كل ما يؤثر في المؤسسة المدرسية من بعيد أو قريب موضع تساؤل مستمر، أملا، في إيجاد الصيغة التربوية الكفيلة للنهوض بمجتمع ما، وضمان فرص تعليمية متساوية لأبناءه، من أجل مستقبل أفضل وتفاديا لهفوات تربوية تعيق تنمية المجتمع وتؤثر سلبا في تنشئة اجتماعية سليمة للجيل الصاعد، إلا أن العمل من أجل ترسيخ هذه التربية الحديثة وتوفير شروط نجاعتها يتطلب جهدا كبيرا لصنع المستقبل المرتقب لأطفال يولدون اليوم، يقول عالم الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم : »إن أسوأ صورة للمستقبل هي تلك التي تنتج عن الموقف السلبي من محاولة صنع المستقبل، موقف التخلي عن الإرادة الإنسانية، وترك الأحداث تصنع مستقبل الناس « .

إن الهدف الحقيقي للتربية ومناهجها يجب أن يراعي بكل موضوعية حاجيات العدالة الاجتماعية لجعل العلم والتجربة يساهمان أكثر في فهمنا للطفل والفرد والمجتمع3 .

وقد حددت المجموعة الفرنسية للتربية الحديثة والتي يرأسها كاستون ميالاري، أهداف التربية في ثلاث : أولا على التربية الحديثة أن تتماشى والحياة الحاضرة،ثانيا : التربية الحديثة يجب أن يكون هدفها المستقبل الذي سيعيشه أطفال اليوم، ثالثا : التربية الحديثة يجب أن تشارك في تحديد وخلق الإنسان ومجتمع الغد4.

والتربية في معناها العام هي فعل اجتماعي، وأكثر من ذلك تواصل أفكار، فن وتقنيات، إنها من أجل الكينونة والفكر ورد الفعل، والتربية تتضمن في عين السوسيولوجي سيرورة تثقيف ومن خلالها يتم تحديد ميكانيزمات الوظيفة التربوية للمجتمع وطرق إدماج الفرد في هذا المجتمع، إلا أننا لايمكن أن نتحدث عن تربية فعالة إلا في مجتمع ديمقراطي حيث هناك توازن بين المتطلبات الاجتماعية وحقوق الأفراد، والديمقراطية كما يرى ايمانويل توود تتحقق تلقائيا في أي مجتمع حين تصل نسبة المتعلمين 70%.حيث يصعب الحديث عن الديمقراطية في مجتمع أمي إن التربية بهذا المفهوم تهدف إلى بناء مجتمع ديمقراطي وترفض مفهوم النظرة السلبية نحو المستقبل، إنها تريد خلق الإنسان القادر على مواجهة عالم الغد، ليس كائنا متفوقا، وليس خاضعا، ولكن إنسانا واعيا بسلطتة، بمسؤولياته وحقوقه، إن التربية الحديثة لاتحمل حلولا تطبيقية لكل المشاكل وإنما تبحث في طرق ووسائل حلها، وتلعب الأسرة والمدرسة دورا رياديا في ميدان التربية والتنشئة الاجتماعية، فالمؤسسة التعليمية لايمكن فصلها عن المجتمع باعتبارها مؤسسة اجتماعية وهي بالتالي عكسة لحالة اجتماعية،وأحد عوامل التحول الاجتماعي.والمجتمع هو المكان الذي يحتضن المدرسة، وفي نفس الوقت منبع التحفيز للطفل، وتغيير وإصلاح المدرسة لا يمكن أن يتم دون حدوث تغييرات اجتماعية، وكل نظام تربوي يجب أن يجيب عن سؤال رئيسي : أي نوع من الأفراد المكونين لأي نوع من المجتمع؟ وهو سؤال له علاقة وطيدة بنمط الإنتاج السائد.

إلا أنه في الدول الثالثية، تمارس الهيمنة الخارجية ضغطا أيضا على المستوى الثقافي، والأنظمة التعليمية في هاته البلدان ليست إبداعات محلية وإنما موروثة من العهد الكولونيالي أو منقولة طبق الأصل لأنظمة الدول المتقدمة، حيث لاتراعي الخصوصيات التي تميز كل مجتمع، مما يجعل المضامين والطرق المتبعة لاتلبي الحاجيات الحقيقية للأغلبية الساحقة لأبناء الشعب ولا تساعد على معرفة المشاكل ولا على حلها. يقول جون بوردا : إن كل جيل لا يتيح الفرص المقابلة وحل المشكلات الجديدة، بل يبدأ بالحلول الموروثة عن الأجداد وهذا هو السبب في أن الجهود العلاجية المبذولة تتقدم ببطء.

...........................

هوامش

ج. كورفيتش المهنة الحالية للسوسيولوجيا . باريس المطابع الجامعية الفرنسية 1950 1

ب. جاكار سوسيولوجية التربية . بايو باريس 19622

التعربف المعطي من طرف الجمعية الدولية للتربيةا لحديثة في العدد الاول من الحقبة الجديدة . يناير 1922 3

تحت اشراف ك. ميالاري. التربية الحديثة والعالم العصري المطابع الجامعية الفرنسية ط 1 . 1966 4

*با حث سوسيولوجي- فرنسا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أنماط الادارة المدرسية وصفات القائد والمدير الناجح

أنماط الإدارة المدرسية يختلف مديرو المدارس في إداراتهم فهم لا يسيرون على نمط واحد وأسلوب مماثل ويعود ذلك للفروق الفردية واختلاف مفهوم تلك الأنماط من مدير لآخر وكم نحن في أمس الحاجة إلى فهم عميق وتبصر وإدراك لأسس هذه الأنماط وألوانها السلوكية لمواجهة المواقف التربوية وتحقيق أهداف العملية التعليمية والتربوية ونحن في هذه العجالة سوف نلقي الضوء على أهم الأسس التي تقوم عليها تلك الأنماط تاركين التوسع في الألوان السلوكية لبحثنا القادم وثيق الصلة بهذا الجانب ومن تلك الأنماط . 1- النمط الأوتوقراطي{التسلطي} {الاستبدادي} ويقوم على الأسس التالية: تدرج السلطة من أعلى إلى أسفل دون إبداء الرأي. لا يحترم شخصيات التلاميذ والمدرسين ويستخدمون كوسائل لبلوغ غايات. يضع في ذهنه صورة عن مدرسته لا يحيد عنها ويظهر الود لمن يتفق وسلوكه والجفوة وعدم الرضا لمن يخالفه. الإدارة المدرسية في نظره إصدار قرارات وتعليمات. يهتم بتلقين التلاميذ المواد الدراسية ويهمل مجالات الأنشطة التربوية. يعتقد مدير المدرسة أن من واجبة تقرير مايجب أن يعمل في المدرسة. قبوله للنقد والتوجيه على مضض واجتماع...

دوائر التعلم

لقد حضرت أمس واول أمس ورشة عمل حول تكوين دوائر تعلم بين المعلمين والهدف منه إنشاء مثل هذه الدوائر نقل الخبرات بين المعلمين سواء مدرسي المادة الواحدة أو بين معلمي المدرسة أو المدارس المجاورة بصفة عامة ومن ثم يؤدي ذلك إلى تفعيل عملية التدريس والتعليم والتعلم بين الطلاب وإيجاد تنمية مهنية حقيقية بين المعلمين حتى يستفيد الطالب من ذلك حيث أنه يعد المستفيد والشريك الأساسي وقدأدهشني هذا المصطلح ( دوائر التعلم ) حيث أسمعه لأول مرة فبحثت كعادتي حول هذه التعريف لتعدد المصادر لدي فوجدت أن مصطلح دوائر التعلم المقصود بها في الأساس هو الطالب وليس المعلم ولكن القائمين على التدريب وظفوا المفهوم للمعلمين لزيادة فاعلية المعلم وقرأت لكم هذا البحث المقدم لتعريف دوائر التعلم: تعد دورة التعلم إحدى النماذج التي انبثقت من النظرية البنائية؛ وهي تستند في تدريس المفاهيم إلى نظرية بياجيه في النمو المعرفي، لاسيما في التوظيف العقلي للمعرفة في مجال التدريس، ويرى أصحاب هذا النموذج أن هناك معيارين لتدريس المفاهيم وفهمها يتعلق أولّهما بالبناء المفاهيمي للمتعلم نفسه، ويتعلق ثانيهما بالاستخدام الاجتماعي المناسب لتطب...

الأمن والسلامة المدرسية -صيانة المبنىالمدرسي -سجلات شئون الطلبة.-

الأمن والسلامة المدرسية العنصر : الإجراءات العامة الخطوات الإجرائية لتحقيق العنصر الإجراءات العامة: 1. تذكر أن الوقاية خير من العلاج. 2. أسرع في إطفاء النيران فور اندلاعها . 3. اختر وسيلة الإطفاء الملائمة، فالخشب والورق والملابس تختلف عن الزيوت والشحوم والبويات، وهما يختلفان عن الأجهزة والمعدات الكهربائية. 4. اكشف باستمرار على مواطن الخطر واتخذ وسائل الوقاية اللازمة. 5. تعرف على مصادر الحوادث والأخطار. 6. قف في مكان بين موقع النار وطريق الخروج حتى يمكن الانسحاب من المكان في حالة العجز عن الاستمرار في مكافحة الحريق. 7. لا تخاطر بإضافة مادة كيميائية على أخرى إلا إذا كنت تعرف تمام المعرفة تفاعلات المواد المضافة بعضها على بعض حتى لا يحدث انفجار أو اشتعال أو إطلاق أبخرة سامة. 8. اخبر الآخرين عن مدى سمية المواد الكيميائية المستعملة في المختبرات. 9. خزن المواد الكيميائية السامة والخطرة في أماكن معينة بعيداً عن متناول الأشخاص الذين ليس لديهم خبرة كافية بمدى خطورة هذه المواد. 10. وفر على عبوات المواد الكيميائية التعليمات الضرورية اللازمة لاستعمالها ، ووضح مدى خطورتها ، فمثلاً يكتب على عبوة معدن...